وحدة قياس شدة الضوء

وحدة قياس شدة الضوء

تُعد شدة الضوء من الخصائص الفيزيائية الأساسية في علم البصريات، وهي مقياس يعبر عن كمية الضوء التي تنبعث من مصدر معين في اتجاه محدد. وتدخل شدة الإضاءة في قلب تصميم الإضاءة المعمارية، وهندسة الإضاءة للطرق، وتحليل الإضاءة في الفضاءات الداخلية، وكذلك في تقنيات العرض الضوئي، والصناعات البصرية المختلفة. وفي هذا السياق، يعتبر الفهم العميق لوحدة قياس شدة الضوء، وتاريخها، وأسسها العلمية، من الضرورات العلمية لفهم الظاهرة الضوئية على نحو دقيق.

المفهوم الفيزيائي لشدة الضوء

شدة الضوء (بالإنجليزية: Luminous Intensity) هي كمية الطاقة الضوئية المنبعثة من مصدر ضوء في اتجاه معين لكل وحدة زاوية صلبة. وتُعبر عنها علميًا من خلال اشتقاقها من كمية فيزيائية أكبر تُعرف باسم التدفق الضوئي (Luminous Flux)، والذي يُقاس باللومن (Lumen). وشدة الضوء ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالإدراك البشري للسطوع، أي بمدى إحساس العين البشرية بقوة الإضاءة من المصدر.

وحدة القياس الدولية: الكانديلا (Candela)

الوحدة الأساسية التي تُستخدم عالميًا لقياس شدة الضوء هي “الكانديلا” (Candela) ورمزها (cd). وهي واحدة من الوحدات الأساسية السبع في النظام الدولي للوحدات (SI)، مما يعكس أهميتها في البنية الفيزيائية العالمية للقياسات.

تعريف الكانديلا:

بحسب التعريف الحديث المعتمد منذ عام 1979، فإن الكانديلا تُعرف بأنها:

“شدة الإضاءة، في اتجاه معين، لمصدر يُصدر إشعاعًا أحادي التردد بتردد مقداره 540 × 10¹² هرتز، وتكون شدته الإشعاعية في ذلك الاتجاه 1/683 واط لكل ستيراديان.”

ويُستند في هذا التعريف إلى خصائص الإشعاع الكهرومغناطيسي من حيث الطول الموجي والتردد، وذلك لتقديم وحدة دقيقة ومعيارية تعتمد على المفاهيم الفيزيائية الأساسية، بدلاً من الاعتماد على أدوات فيزيائية غير ثابتة.

تطور تاريخي لوحدة الكانديلا

تعود جذور الكانديلا إلى استخدام الشمعة كمرجع تقريبي لشدة الضوء في بدايات الثورة الصناعية. في القرن التاسع عشر، استخدمت الشمعة القياسية المصنوعة من شمع الحوت، ثم شموع من شمع الستيارين، كمصدر معياري للإضاءة. ومع تطور العلم، أصبح من الضروري استبدال هذه الطرق البدائية بتعريفات تعتمد على الظواهر الفيزيائية الثابتة.

في أوائل القرن العشرين، تم إدخال تعريفات أكثر علمية لشدة الإضاءة اعتمادًا على المصابيح الكهربائية، ثم تطورت تدريجياً حتى تم إقرار التعريف الحالي في مؤتمر الأوزان والمقاييس عام 1979، والذي يُعد واحدًا من أدق التعريفات في المترولوجيا.

العلاقة بين شدة الضوء والتدفق الضوئي

لفهم وحدة الكانديلا بدقة، يجب التفريق بين شدة الضوء (Luminous Intensity) والتدفق الضوئي (Luminous Flux). التدفق الضوئي هو إجمالي كمية الضوء التي يصدرها مصدر في جميع الاتجاهات ويُقاس باللومن (lm)، بينما شدة الضوء هي كمية الضوء المنبعثة في اتجاه معين وتُقاس بالكانديلا (cd).

العلاقة بينهما يمكن التعبير عنها عبر المعادلة:

Φ = I × Ω

حيث:

• Φ هو التدفق الضوئي (لومن)

• I هو شدة الضوء (كانديلا)

• Ω هو الزاوية الصلبة (ستيراديان)

بمعنى آخر، يمكن اعتبار الكانديلا كمية الضوء المنبعثة لكل وحدة زاوية صلبة.

الزاوية الصلبة والستيراديان

الستيراديان (Steradian) هو وحدة الزاوية الصلبة في النظام الدولي، وهو مكافئ للزاوية المستوية بالراديان في بعدين. الزاوية الصلبة هي تلك التي تحصر مساحة سطحية معينة على الكرة الكاملة المحيطة بالمصدر الضوئي.

في كرة كاملة، توجد 4π ستيراديان، أي أن المصدر الضوئي الذي يوزع ضوءه بالتساوي في جميع الاتجاهات، وتبلغ شدة إضاءته 1 كانديلا، ينتج تدفقًا ضوئيًا مقداره:

Φ = 1 cd × 4π sr ≈ 12.57 lumen

التمييز بين الكانديلا ووحدات أخرى

في المجال البصري، توجد وحدات متعددة ترتبط بالإضاءة، من أبرزها:

التطبيقات العملية لوحدة الكانديلا

تُستخدم وحدة الكانديلا في مجموعة واسعة من التطبيقات، منها:

1. تصميم إنارة الشوارع والأنفاق: تحديد توزيع شدة الإضاءة للمصابيح في اتجاهات معينة لتوفير رؤية آمنة وتقليل التوهج.

2. المواصفات الصناعية للمصابيح: عند تصنيع مصابيح المركبات، يجب ضبط شدة الضوء بدقة لتفادي الإبهار أو القصور في الإضاءة.

3. تقنيات العرض والإسقاط: في شاشات العرض وأجهزة الإسقاط، يتم قياس شدة الضوء لتحديد جودة الصورة وسطوعها.

4. المقاييس الضوئية في المختبرات: استخدام وحدات الكانديلا في معايرة الأجهزة الحساسة للضوء مثل الفوتومترات والسبكتروفوتومترات.

5. التصوير السينمائي والإضاءة المسرحية: تعتمد شدة الإضاءة الدقيقة في زوايا معينة لخلق التأثيرات المرئية المطلوبة.

خصائص ومحددات الكانديلا

رغم دقة وحدة الكانديلا، إلا أن هناك بعض الخصائص والمحددات التي يجب مراعاتها عند استخدامها:

• تعتمد على الحساسية الطيفية للعين البشرية: الكانديلا تُقيّم الضوء وفقًا للحساسية النسبية للعين البشرية للضوء المرئي، ولذلك فهي غير مناسبة لقياس الضوء في الأطوال الموجية فوق البنفسجية أو تحت الحمراء.

• ليست مقياسًا للطاقة الحقيقية: فبينما تُقاس الطاقة الحقيقية المنبعثة بوحدة الواط، تُستخدم الكانديلا لقياس التأثير الضوئي المدرك بصريًا فقط.

• محددة بالاتجاه: الكانديلا تتعلق بشدة الضوء في اتجاه معين فقط، ما يميزها عن اللومن الذي يشير إلى إجمالي الضوء.

الكانديلا في صناعة التكنولوجيا الحديثة

مع تطور التكنولوجيا، أصبح من الضروري إنتاج مصادر ضوء أكثر كفاءة، ومن هنا ظهرت الحاجة إلى قياسات دقيقة لشدة الضوء. تعتمد تقنيات مثل LEDs والإضاءة الذكية على قياسات دقيقة بالكانديلا لضمان الأداء المطلوب.

في السيارات الحديثة، يتم ضبط شدة مصابيح القيادة والمصابيح الخلفية باستخدام معايير الكانديلا لضمان الامتثال للتشريعات المتعلقة بالسلامة المرورية. كما تُستخدم الكانديلا في تحديد مواصفات الإضاءة لشاشات الهواتف، والحواسيب، والتلفزيونات الذكية.

مقارنة معيارية بين الكانديلا والمصادر الضوئية الشائعة

القياس العملي لشدة الضوء

لقياس شدة الضوء بدقة، يُستخدم جهاز يُعرف بـ فوتومتر شدة الإضاءة (Luminous Intensity Meter). يعمل هذا الجهاز على استشعار كمية الضوء في اتجاه محدد، ويحولها إلى قراءة رقمية بالكانديلا. كما يُستخدم هذا الجهاز في عمليات المعايرة في المختبرات، وفي اختبارات مطابقة المنتجات للمعايير الدولية.

الكانديلا في القياسات الفلكية

في علم الفلك، تُستخدم مفاهيم قريبة من الكانديلا لتقدير شدة السطوع النجمي، رغم أن الفلكيين يعتمدون على وحدة “القدر الظاهري” (Apparent Magnitude)، التي تتناسب لوجاريتميًا مع شدة الضوء. وتُساعد القياسات الدقيقة بالكانديلا في معايرة التلسكوبات وأجهزة الرصد الفضائي لضمان قياسات دقيقة للنجوم والمجرات.

الخاتمة

تُعد وحدة الكانديلا من الركائز الأساسية في علم الإضاءة والقياسات البصرية، وهي تمثل تطورًا نوعيًا في طريقة تعامل البشرية مع الضوء كوحدة قابلة للقياس والمعايرة الدقيقة. ومن خلال ارتباطها بالمفاهيم الفيزيائية الثابتة، تُقدم الكانديلا وسيلة علمية دقيقة لضبط الإضاءة في كافة التطبيقات العلمية والصناعية والمعمارية. وتكمن قيمتها الكبرى في كونها أداة لتوحيد الفهم والقياس للضوء المدرك، ما يجعلها حجر الأساس لكل نظام بصري حديث.

المراجع:

1. Bureau International des Poids et Mesures (BIPM) – SI Brochure (2019 edition)

2. “Fundamentals of Photonics” – Bahaa E. A. Saleh and Malvin Carl Teich, Wiley